لعب رئيس حركة النهضة الاسلامية راشد الغنوشي الذي تم توقيفه الاثنين، طويلا دور صانع الرؤساء بعد “الربيع العربي” في تونس، لكن صورته تشوّهت بفعل الممارسة السياسية، وباتت شريحة واسعة من التونسيين تحمّله مسؤولية مشاكل كثيرة آلت اليها البلاد في السنوات الأخيرة.
أوقف الغنوشي (81 عاما) الاثنين في منزله مع موعد الإفطار في شهر رمضان غداة تصريحات قال فيها إنّ “هناك إعاقة فكرية وإيديولوجية في تونس تؤسّس لحرب أهلية”.
وأضاف “لا تصوّر لتونس بدون طرف أو ذاك، تونس بدون نهضة، تونس بدون إسلام سياسي، تونس بدون يسار، أو أي مكوّن، هي مشروع لحرب أهلية، هذا إجرام في الحقيقة”.
وهو أبرز معارض إن لم يكن أشدهم للرئيس قيس سعيّد الذي يحتكر السلطات في البلاد منذ العام 2021 ويتهمه “بالمنقلب على ثورة 2011” التي أطاحت بنظام دكتاتوري.
سعى الغنوشي الذي تجمعه علاقات متطورة مع قطر وتركيا إلى التواجد في السلطة منذ 2011 والى أن يكون حزبه ورقة أساسية في كل التحالفات السياسية التي تتولى السلطة في البلاد.
وكان تبعا لذلك حليفا مع الحزب الليبيرالي “قلب تونس” ورئيسه رجل الأعمال والإعلام نبيل القروي الملاحق قضائيا في تهم فساد وتبييض أموال، كما كان داعما للرئيس السابق الراحل الباجي قائد السبسي في إطار ما عرف “بسياسة التوافق” لتأمين مسار الانتقال الديموقراطي في البلاد.
واصطدم بسعيد الذي علّق في تموز/يوليو 2021 البرلمان الذي كان يرأسه الغنوشي وأقال الحكومة المدعومة من النهضة واحتكر السلطات.
وكان الغنوشي طالب أنصاره في الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية في العام 2019، بالتصويت بكثافة لصالح قيس سعيّد الذي فاز بغالبية كبرى أمام منافسه آنذاك رئيس حزب “قلب تونس” نبيل القروي.
-“مسلم ديموقراطي” –
في بداية نشاطه السياسي في السبعينات، كان الغنوشي يطالب بتطبيق الشريعة الإسلامية في الحكم، ثم تبنى فكر الإخوان المسلمين ليدعم لاحقا النموذج الإسلامي التركي بقيادة رجب طيب إردوغان.
منذ العام 2016، أعلن أن حزبه أصبح مدنيا وأصبح يقدم نفسه على أنه “مسلم ديموقراطي” ويدافع عن بعض الأفكار المحافظة.
عاد الغنوشي الذي كان معارضا شرسا لنظامي كل من الرئيس الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي، إلى تونس من لندن بعد عشرين عاما من المنفى، بعد سقوط نظام بن علي واستقبله آنذاك الآلاف من أنصار حزبه ورددوا “أقبل البدر علينا”.
وانتقد “الشيخ”، كما يلقبه أنصاره، لغموض مواقفه تجاه تصاعد وتنامي المجموعات الجهادية إثر الثورة.
ويحمّله معارضوه مسؤولية صعود تيار السلفية الجهادية في تونس خصوصا بعدما أدلى بتصريح صحافي في 2012 قال فيه إن “معظم السلفيين يبشرون بثقافة ولا يهددون الأمن”، قبل أن يعلن لاحقا أن “هؤلاء الناس يمثلون خطرا ليس على (حركة) النهضة فقط بل على الحريات العامة”.
ويعتبر الغنوشي شخصية مثيرة للجدل، فالبعض يصفه بالإسلامي المتشدد في حين يرى فيه آخرون سياسيا براغماتيا متلونا مستعدا للتضحية بكل شيء مقابل البقاء في السلطة.
وتسببت التقلبات في مواقفه بتصدّع فريقه. وأخذ بعض أنصاره عليه أنه دعم قانونا مثيرا للجدل كان يقترح العفو عن مسؤولين في عهد بن علي متهمين بالفساد.
ومثُل منذ عام أمام قضاة التحقيق في إطار تحقيقات مختلفة وتهم وجهت له تتعلق بالفساد والإرهاب. لكنه ومع كل نهاية ساعات التحقيق الطويلة، خرج من مكاتب القضاة مبتسما رافعا شعار النصر أمام أنصاره ومنتقدا “تطويع” الرئيس للقضاء “لتصفية خصومه السياسيين.
إلا أن البعض يرى أن تراجع شعبيته سببه حملة تشويه طالته من النظام القائم.
وواجه منذ أن تولى رئاسة البرلمان إثر انتخابات 2019، معارضة شديدة من أحزاب ضده ووكذلك من قيادات داخل حزبه دعته للتنحي عن السياسة وفسح المجال للقيادات الشابة في الحزب. لكنه لم يفعل.
ولد راشد الغنوشي واسمه الحقيقي راشد الخريجي في منطقة الحامة من محافظة قابس (جنوب) في عائلة متواضعة ودرس الشريعة ثم الفلسفة في القاهرة ودمشق.
عاد إلى تونس نهاية الستينات، وبعدها أسس حزب “الاتجاه الاسلامي” في العام 1981 ليغيّر تسميته في العام 1989 الى “حركة النهضة” خلال السنوات الأولى من حكم الرئيس السابق الراحل زين العابدين بن علي.
حُكم عليه بالإعدام خلال نظام الرئيس الاول لتونس الحبيب بورقيبة وعفا عنه نظام بن علي في العام 1987 ليلاحق قضائيا بعد ذلك ويقرّر اللجوء إلى الجزائر ثم بريطانيا في العام 1991.
انتهت ولايته الثانية على رأس الحزب في العام 2020 وطالبه العديد من القياديين بأن يتخلى عن منصبه قبل مؤتمر الحزب العام المرتقب في 2021. وترك بعضهم الحزب بعد رفضه.
- نشرت هذه السيرة في عديد المواقع من بينها
- موقع تلفزيون الحرة