قصر قرطاج.. جوهرة تونس ومغوي الرؤساء..في انتظار ساكن جديد

صور وفيديو © وكالة الأناضول

تستسلم لإلتواءات الطريق المعبدة في هضبة سيدي بوسعيد التونسية، قرب العاصمة، وتنساب لزرقة البحر المتوسط الصافية التي تبعث فيك الحياة فتحملك في هدوء تام الى مكان يسحر ويبهر كل من جال فيه، ولطالما أثار فضول الكثيرين بأن تطأ قدماهم أجنحته.. إنه قصر الرئاسة بـمنطقة “قرطاج” السياحية الأثرية، حيث ينعم ساكنه بجو خاص يمزج بين رهافة حس الطبيعة وعصارة ابداع الإنسان. في انتظار ساكنه السادس.

يقبع قصر قرطاج ويمد أجنحته على ضفاف المتوسط بعد أن مر به 5 رؤساء حيث بناه وسكنه أول رئيس منذ اعلان الجمهورية سنة 1957، الحبيب بورقيبة ثم خلفه زين العابدين بن علي، وامتد حكمهما لحوالي نصف قرن، قبل أن تمنح ثورة يناير 2010 / 2011 ولاية المكان لمحمد الغنوشي (الوزير الأول في حكومة بن علي) لمدة 24 ساعة ثم فؤاد المبزع وليخلفه محمد المنصف المرزوقي، واليوم تزوره الأناضول لسبر أغواره قبل أن تفتح أبوابه للرئيس القادم في أول إقتراع مباشر للشعب بعد الثورة في الـ23 من الشهر الجاري.

يتكون القصر من 4 أجزاء، جناح يخصص للقصر وأجنحته وآخر لمنزل الرئيس وثالث لأمن القصر ورابع بالقرب منه هو مقر إقامة السفير السويسري ويمتد على حوالي 40 هكتارا (400 ألف متر مربع).

وتقول نائلة محجوب، القائمة العامة بالقصر للأناضول عن تاريخ المكان “القصر كان أصلا مقرا للمقيم العام الفرنسي ثم قرر الرئيس بورقيبة أن يجعل منه قصرا للرئاسة وبدأت أعمال البناء والتوسع فيه سنة 1959 حيث استعان بالمهندس المعماري اليهودي التونسي الفرنسي، أوليفييه كليمون كاكوب، وانتهت عملية البناء سنة 1970 بصفة كلية بعد أن بدأ استغلال الجزء الجاهز منه منذ 1964”.

حين تلج القصر من الناحية المطلة مباشرة على البحر فتبدأ مظاهر الفخامة تطل شيئا فشيئا مع الزرابي (السجاجيد) التونسية التي تكسو البلاط والأخرى الإيرانية الصنع التي تغطي الجدران وتحتار خطاك أي الأروقة تختار.

تُعدد القائمة بأعمال القصر الفضاءات الرسمية التي خبرتها عن ظهر قلب منذ سنين وتوضح، ” يدخل الضيف الرسمي أولا، من الباب الرئيسي ويسمى بهو الرؤساء ثم يستقبله البروتوكول في قاعة الوزراء أو قاعة الاستقبال ويوجهه للقاعة التي تم تخصيصها له حيث أن كل شخصية رسمية ان كانت رئيس دولة أو وزيرا أو غيره، كل له المكان والقاعة التي تليق بمقامه وطبيعة النشاط الذي سيجمعها بالرئيس التونسي “.

وأنت تتجول تتقاطع في مخيلتك روايات وقصص الشرق مع ألف ليلة وليلة وكأنك تتحول لأحد شخوصها وتعيش لحظات من أحداث حكايات شهرزاد للملك شهريار.

وتُفصل نائلة محجوب مساحات القصر قائلة: “نجد بهو الرؤساء ثم قاعة الرؤساء ثم القاعة الذهبية الأكثر رسمية من غيرها ويتم فيه استقبال رؤساء الدول والوزراء الأجانب ورؤساء الحكومات والسفراء ومن خلفها القاعة الزرقاء يستقبل فيها ممثلي المجتمع المدني وأحيانا تعقد فيه الندوات الصحفية يليها الصالون الأزرق والتي كانت المكتب الرسمي لرئيس الجمهورية السابق زين العابدين بن علي أصبحت اليوم قاعة للاستقبال ثم قاعة ابن خلدون وهي مكتب الرئيس الحالي المنصف المرزوقي.

يجاوره مكتبة بورقيبة ثم بهو البايات (الولاة) ويضم 12 لوحة للبايات الذين حكموا تونس كما يحتوي البهو جملة الهدايا التي يتحصل عليها الرئيس الحالي في زياراته معروضة في واجهات بلورية ثم قاعة المجلس الوزاري”.

ورواق البايات هو عبارة على ممر يربط بين فضاءات القصر وبين شرفاته وأبوابه الشرقية وتعود أصل تسميته للوحات البايات المتوجة بشعار الدولة الحسينية وقد رسمها الفنان الايطالي “قيدا جيرانتي” في أزيائهم ونياشينهم الرسمية.

لبهو الرؤساء طابع خاص مميز، حيث تعلو الجزء الأول منه قبة من الخشب تجمع زخارف وتؤرخ لفنون النقش والتذهيب وفي الجزء الثاني من السقف سلسلة من العقود الجصية المنقوشة على الطريقة المغربية الدقيقة (تسمى نقش حديدة) ساهم في نحتها أمهر الفنيين المغاربة اللذان بعث بهما الملك المغربي محمد الخامس آنذاك لبورقيبة. وتتابع السيدة، وهي الوحيدة التي تملك مفاتيح غرف القصر وكل مكان فيه.

” ننزل بعد ذلك إلى أسفل القصر أين يتركز المسرح والذي استعمل حسب المزاج الثقافي لكل رئيس حكم تونس، فقد وظفه بعد ثورة 2011 الرئيس المرزوقي لعرض الفيلم الوثائقي “جريمة دولة ومقتل اليوسفيين” كما عرضت فيه مسرحيات للمعوقين”.

و يحتوي المسرح وفي جزء منه على بعض من صور الرئيس الحبيب بورقيبة وتماثيله وألبومات صور زياراته الرسمية، تم تزويقه وفقا للطراز الكلاسيكي ويمكن تصنيفه ضمن مسارح ” لويس الخامس عشر” واستوحى مصمم ديكوره الزخرفة من ”قصر فرساي” بفرنسا وشارك ملك المغرب الحسن الثاني في افتتاحه رسميا في يونيو 1964 ويضم 157 مقعدا منها 11 شرفية تنوعت ألوانها من الأزرق المذهب والوردي .

” كل زائر للقصر بما فيهم الرؤساء أول ما يبهره هو اللمسات التجميلية ورونق الديكور والهندسة المعمارية للقاعات وكل قاعة تعطيك لون ونفس خاص بها كما ان كل واحدة شهدت على مرحلة من تاريخ هذه البلاد.. فمثلا القاعة الزرقاء أدت فيها الحكومة المنبثقة عن انتخابات المجلس الوطني التأسيسي في 2011 اليمين القانونية، وهي ذات القاعة التي قدم فيها رئيس الحكومة السابقة حمادي الجبالي استقالته كما أدى فيها أعضاء الهيئة العليا المستقلة للانتخابات والهيئة العليا المستقلة للسمعي البصري اليمين الدستورية حين تم تشكيلهما”، تروي نائلة محجوب.

وتسلم فيه كذلك رئيس الحكومة الحالي المهدي جمعة أوراق مهامه وتوجها بالخطاب الأول للشعب التونسي في حين كانت القاعة الذهبية مكان اللقاءات مع كل من ملك المغرب محمد السادس مؤخرا.. كما توضح القائمة العامة بالقصر باسهاب في حرص شديد في الوقت نفسه على لا تنزلق نحو أسرار محظورة تُكشف للعموم.

هناك من القاعات والصالونات التي كانت شاهدة على العصر وعلى قرارات هامة غيرت وجهة البلاد السياسية خاصة منها قاعة الاستقبال التي كانت مكتبا للرئيس السابق زين العابدين بن علي والتي ألقى فيها خطاباته الثلاث قبل أن يغادر البلاد إلى المملكة العربية السعودية بعد تواتر الاحتجاجات الاجتماعية التي طالبت بإسقاط النظام أواخر 2010 وبداية 2011.

تقتادك رائحة البحر المتسللة من النوافذ إلى الشرفات والحديقة والتي تُتفتح على مستوين، على الجهة الشرقية ويتمتع الناظر منها بمشهد الشروق على الحديقة المطلة مباشرة على البحر الأبيض المتوسط.. الحديقة صممت وفق الطراز الفرنسي المتناظر البسيط وتحتوي على مجلس صغير تحت شجرة صنوبر عملاقة ، أين يفضل الرئيس الحالي تناول قهوة الصباح.

عند الخروج من القصر ينتابك إحساس بعدم الرغبة في المغادرة وتعي جيدا أن التنافس على كرسي قرطاج ليس بالهين ويشفع وطيس الصراع المحتدم في تونس من أجل 5 سنوات من “النعيم القرطاجي”.

اترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *