يحتفل نادي الترجي الرياضي التونسي هذا الشهر بمرور مئة عام على تأسيسه، ارتبط اسمه بشكل وثيق خلالها بمختلف نواحي بلاده السياسية والاجتماعية والرياضية، وتوجها بأفضل طريقه ممكنة العام الماضي بتربعه مجددا على عرش كرة القدم الإفريقية.
في حي باب سويقة بتونس العاصمة، يتجه محمد الحبيب حسني مع ابنه نحو قاعة عرض كؤوس الترجي، مستعيدا أمجاد النادي الذي استحال ظاهرة اجتماعية وسياسية، ويختصره مشجعوه بشعار “الترجي دولة”.
ويقول حسني المتحدر من الحي والمقيم حاليا في إيطاليا، لوكالة فرانس برس، إن سكان الحي “تجري في عروقهم دماء صفراء وحمراء”.
يضيف أن الأعوام الثلاثين (من سنيه الـ52) التي أمضاها خارج تونس، لم تنسه “الحب الأول” الذي يسعى لنقله الى ابنه حسام (13 عاما).
ويضيف حسني الذي يعمل طاهيا “الترجي تفرحك تمتعك وتحنن القلوب على بعضها البعض، عندما ننتصر في نهائي، باب سويقة تنتفض”.
والترجي هو أقدم الأندية التونسية وأكثرها تتويجا، وتضم خزائنه 45 لقبا أبرزها 28 لقبا في الدوري التونسي، وثلاثة في دوري أبطال إفريقيا، إضافة الى تتويجات في رياضات أخرى مثل كرة اليد والطائرة والسباحة والجودو.
-“رمز للحركة الوطنية” –
يعد حي باب سويقة معقل الترجي بكل ما للكلمة من معنى، ونادرا ما يمر “مكشخ” (الاسم الذي يطلق على مشجعي النادي) في شوارعه من دون أن يكون مرتديا قميص الفريق الأحمر والأصفر، أو يرتدي ما يدل عليه من قبعة أو شعارات.
في الحي الذي تتقاطع شوارعه عند نافورة يجتمع حولها المشجعون بعد كل انتصار، لا يخلو ركن من كتابة على الجدران بعبارات فخر الانتماء للنادي، بينما تتدلى الرايات الحاملة ألوانه، فوق المقاهي المتراصة.
شهد الحي عام 1919 الاجتماعات التأسيسية للترجي، والتي عقدت في مقهى حمل الاسم نفسه، وتزعمها كل من محمد الزواوي والهادي القلال.
أتى تأسيس النادي في مطلع حقبة شهدت فيها تونس، لاسيما في العشرينات والثلاثينات من القرن الماضي، حراكا وطنيا نشطا ضد الاستعمار الفرنسي، لا سيما مع عودة الحبيب بورقيبة الى البلاد عام 1927 واتخاذه من باب سويقة والحلفاوين المجاور له، مقرا لنشاطه.
كما جمعت المنطقة رموز النضال السياسي وشخصياته آنذاك أمثال الحبيب ثامر وعبد العزيز الثعالبي والمنجي سليم وغيرهم.
تداخل السياسي والثوري بالرياضي في باب سويقة والترجي.
ويرى الكاتب التونسي المطلع على تاريخ النادي عبد العزيز بلخوجة، أن الترجي أضحى “شكلا من أشكال النضال السياسي. ولد بإرادة نضالية ضد المستعمر خصوصا وأنه الفريق الوحيد الذي (كان) يضم تونسيين مقابل باقي الفرق التي ينشط فيها الفرنسيون والمالطيون والإيطاليون”.
بقي النادي حكرا على التونسيين حتى استقلال البلاد عام 1956 على يد الزعيم التاريخي بورقيبة الذي تولى رئاسة تونس حتى العام 1987.
وبحسب المؤرخ محمد ضيف الله، أصبح الترجي من الأندية التي “ترمز للحركة الوطنية”، لاسيما وأنه ضم في صفوفه لاعبين تونسيين حصرا.
ويتابع المؤرخ الذي يُعد كتابا عن تاريخ النادي، لفرانس برس أن “بورقيبة كان قريبا من الترجي ومن الطبقة الشعبية التي سكنت المنطقة ويحضر المقابلات (المباريات) وكان من بين مستشاريه لاعب من الترجي”.
وتولى الزعيم منصب نائب رئيس النادي عام 1931، بحسب ضيف الله.
– “مؤسسة اجتماعية” –
أعاد اللقب الإفريقي العام الماضي دغدغة مشاعر مشجعي النادي بالبعد التاريخي للنادي وهيبته. في مقهى “العباسية” الذي بات نقطة لقاء لهم، لا حديث حول الطاولات المنتشرة على الرصيف سوى أخبار الترجي وآخر الاستعدادات للاحتفال بالمئوية الأسبوع المقبل، أو أداء الفريق.
وينتمي مشجعو الترجي الى ما يعرف بـ”خلايا الأحباء” وهي تتمركز في مختلف ولايات البلاد. لكن للترجي في باب سويقة نكهته التي كانت تنعكس على الدوام في أوساط سكانه.
ويقول محمد الحبيب حسني إن كل مباراة ترافقت مع تقاليد منزلية “كنا نعدُ الترتيبات اللازمة في البيت مع كل مقابلة نلعبها… كما لو كان حفل زواج، رائحة البخور في كل مكان ونوزع المشروبات”.
تمتع الترجي بقوة جذب اجتماعية أيضا، ما انعكس تنوعا في تركيبة المشجعين الذين يتابعونه، وأكسبته تقدير مشجعي أندية أخرى أبرزها النادي الإفريقي الذي يحتفل العام المقبل بمئويته أيضا.
ويوضح الباحث في علم الاجتماع محمد الجويلي أن النادي تحول على مدى الأعوام الى “مؤسسة اجتماعية” ذات دور “في تأطير الشباب الذي لم ينجح في الدراسة. هو بمثابة فرصة وحظ ثانٍ في الحياة”.
جذب الترجي أبناء الأحياء خارج باب السويقة، ومنها الحجامين حيث تأسس النادي الإفريقي، وفيه ولد عامر البحري (88 عاما) الذي ناصر نادي باب سويقة منذ نحو سبعة عقود، وبات يحمل لقب “ذاكرة الترجي”.
ويقول البحري لفرانس برس “71 عاما قضيتها قريبا من الترجي. هو حياتي… الترجي ليس انتصارات ولعب فقط، هو ظاهرة اجتماعية لأنه كون أجيالا صالحة للمجتمع”.