“تستور”.. ساعة هاربة من الزمن الأندلسي

صورة © وكالة الأناضول/ أمين الأندلسي

يفوح شذى الزمن الأندلسي ويتنسمه كل زائر جديد لمدينة “تستور” في محافظة باجة، شمال غرب تونس، وهي من أحد الرموز التاريخية والجمالية، والذي يتمثلها معلم يبحث عن الزائرين، وهو “ساعة تستور”.

وتعد ساعة “تستور” التونسية من مفاخر الحكايات التي يرددها سكان المدينة؛ لما تحمله هذه الساعة من خصوصية جعلت منها رمزا، وحديثا تتداوله أجيال وراء أجيال، خاصة أنه يميزها دورانها عكس الدوران المعتاد، ومرقمة ترقيما معاكسا، باعتبارها من نمط الساعات الشمسية، خلافا لما يعرفه الناس حاليا عن الساعات في العالم.

أما تستور نفسها فهي مدينة تونسية تقع على هضبة شمالي البلاد، وتبعد بنحو 21 كم عن مدينة مجاز الباب، و76 كم عن العاصمة تونس.

وتستمد تستور شهرتها من تاريخها الأندلسي وهي اليوم مركز معتمدية تستور التابعة لمحافظة باجة، وكان اسمها في العهد الروماني “تِيشيلاّ”.

– خوف من الحسد –

ساعة “تستور” تتوسط صومعة الجامع الكبير بمدينة تستور، وقد بنيت بعد تشييد الجامع الكبير سنة 1630 ميلاديا، على يد محمد تغرينو، وهو من الجاليات الأندلسية التي استوطنت المنطقة، وأرادوا من عقاربها أن تدور من اليمين إلى اليسار، وسر ذلك أن الأندلسيين كلما أتقنوا عملا خافوا عليه من الحسد، فيعمدون إلى تشويه جزء منه لكي لا يصيبه سوء، وفقا لروايات بعض التستوريين.

ووفقا لمراجع التاريخ فقد عرفت هجرة الموريسكيين “الأندلسيين” إلى المغرب العربي على ثلاث مراحل في القــرن 13، والقرن 15، والقرن 17 الميلادي، وبلغ عدد الوافدين منهم إلى تونس فقط في القرن 17 أكثر من 80 ألف مهاجر، وأغلب الموريسكيين هم من مسلمي شمال إفريقيا، الذين صاحب بعضهم طارق بن زياد عند فتحه لإسبانيا.

الحاج محمد الأندلسي ( 70 سنة)، إمام الجامع الكبير تحدث مطولا لـ”لأناضول” وفتح لها أبواب الصومعة لاستطلاع “ساعة تستور” التي تثير، ولا تزال تساؤلات تبحث عن تفسير لها.

وقال الأندلسي: “الساعة كانت تعمل منذ تواجد الجامع، وعقاربها تدور من اليمين إلى اليسار، وأرقامها منحوتة بإتجاه مركزها، وقبل سنوات سرقت العقارب، وسرق قلب الساعة، ولا نملك أي صورة فوتوغرافية تؤرخ لها”.

ويواصل حديثه في نبرة غلبت عليها الحسرة الشديدة: “تتواجد ساعة تستور في وسط صحن الجامع الكبير كساعة شمسية بخطوطها القياسية المضبوطة، وكانوا قديما يستعينون بها ليعدلوا عقارب الساعة الميكانيكية أعلى الصومعة؛ لأن الأصل هو التوقيت الشمسي للإعلان عن بداية كل صلاة، وربما اختيارهم لعكسية دوران العقارب كان اختيارا موظفا بحكم أن الساعة الشمسية تدور من اليمين إلى اليسار والشمس تدور بنفس الاتجاه، وكذلك الطواف بالكعبة الشريفة هو ذاته”.

ويضيف أن “الأندلسيون هربوا ورفضوا اعتناق المسيحية، وحملوا دينهم إلى هذه الأرض وأرادوا توظيفه في كل تفاصيل حياتهم”.

عبد الحليم الكوندي، مهندس في عقده السادس، من سكان تستور، دفعته غيرته على المعالم التاريخية في بلاده إلى التفكير في كيفية إرجاع عقارب الساعة وترميمها على نفس الشاكلة التي كانت عليها منذ زمن.

– “عقارب الساعة ” –

يقول الكوندي لـ “لأناضول”: “ساعة الجامع الكبير تم تركيبها في صومة الجامع بعد 100 سنة من تشييد الجامع، وكانت تعمل بالتوازي مع الساعة الشمسية التي رسمها أحمد الحراث سنة 1760 ميلادي، وأعمل جاهدا على إيجاد حل لإعادة الحياة لها، مثلما كانت ولا يوجد أي عذر لبقائها معطلة على هذا النحو”.

ويؤكد المهندس المتقاعد: “أقوم منذ سنوات باتصالات وبحث في المؤلفات وسافرت لدول فيها ساعات مماثلة على غرار مدينة براغ، وطالبت من سفارات بعض الدول الغربية في تونس لمدي بالتمويل اللازم، وأخيرا تمكنت من إقامة شراكة مع السفارة الألمانية لتنظيم تظاهرة ثقافية لجمع التبرعات من أهل مدينة تستور لكي نعيد كتابة تاريخهم على نسق دوران ساعتهم”.

ويختم قوله: ”التراث لا يجب أن يندثر ويجب أن نبقى نتذكر الأندلسيين، ولا نريد لعقارب الزمن أن تتوقف في تستور”.

اترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *