ركزت السلطات التونسية منذ بداية أزمة كوفيد-19 مستشفيات متنقلة ووفرت أسرة انعاش اضافية ووظفت أطقما طبية، لكن البلاد تواجه اليوم سباقا مع الوقت من أجل توفير مادة الأكسيجين التي تزايد الطلب عليها مع اشتداد الموجة الثالثة.
أقرّ رئيس الحكومة هشام المشيشي في مؤتمر صحافي الجمعة خصصه للاعلان عن الاغلاق التام في البلاد طوال أسبوع عيد الفطر، بأن “هناك أزمة في الأكسيجين وأحيانا ايضا لا نجد أسرة للانعاش” في بلاده التي يحصد فيها الفيروس أرواح قرابة مئة شخص يوميا بينهم أفراد عائلات بأكملها.
كم نبه المشيشي الى “خطر” انهيار المنظومة الصحية و”الانهيار النفسي للأطباء”.
ويقول رئيس قسم الانعاش وعضو اللجنة العلمية لمكافحة كوفيد-19 أمان الله المسعدي من جانبه إن “استهلاك الأكسيجين في المستشفيات سيكون تحت المراقبة والاستعداد لأيام آتية قد تكون أصعب”.
ويوضح رئيس قسم الانعاش الطبي في “مستشفى الحروق البليغة” بمحافظة بن عروس أن “الوضع خطير”، معلّلا ذلك “بعدد المرضى في المستشفيات الذي تضاعف نحو مرتين خلال شهر فقط”.
وكنتيجة لذلك فاق استهلاك الأكسيجين الطاقة الانتاجية المحلية، لأن “الاستهلاك تضاعف لأربع وست مرات” بحسب المسعدي.
- 70 ألف ليتر تحد يومي –
تصنع تونس على المستوى المحلي عبر شركتي “آر ليكيد” و”ليند غاز” الأجنبيتين نحو 100 ألف ليتر من الاكسيجين لكن المستشفيات والمصحات التي تعالج مرضى الوباء في حاجة الى 170 ألف ليتر بشكل يومي.
وتشكل ال70 ألف ليتر الناقصة تحديا يوميا للحكومة.
أمام تردي الوضع الصحي والطلب المتزايد على هذه المادة استعانت تونس بتوريد كميات من الجزائر على امتداد شهر لتفادي النقص الحاصل، كما أكد وزير الصحة فوزي المهدي في تصريحات اعلامية، لافتا الى اجراء محادثات مع ليبيا لطلب العون منها.
وتواجه شركة “ليند غاز” اليوم سباقا مع الوقت لتأمين الطلبات التي تتزايد.
يقول مدير التسويق بالشركة وجدي بن الرايس لفرانس برس “منذ نهاية تشرين الأول/أكتوبر بدأ الطلب يتزايد ووصل الى الذروة منتصف شباط/فبراير وتضاعف الى حدود أربع مرات”.
وتعمل الشركة على تزويد مستشفيات في 15 محافظة (من أصل 24) في البلاد من دون توقف، ويتم مراقبة مستوى الأكسيجين في خزانات المستشفيات عبر شاشات التواصل عن بعد من مقر الشركة في منطقة المغيرة القريبة من العاصمة.
يضيف بن الرايس “الطلب تجاوز امكانيات التصنيع المحلي ولجأنا الى التوريد من ايطاليا”، وكذلك من الجزائر “لاختصار الوقت”، لافتا الى أن “الوضع تحت السيطرة حاليا، ولكنه هش لأننا نبقى رهينة دول الجوار التي يمكن ان تغلق في أي وقت” في حال تدهور الوضع الصحي.
ومن المرجح ان يتضاعف الطلب من المستشفيات التونسية على الأكسيجين مرتين مقارنة ب100 ألف ليتر التي تصنع محليا يوميا.
يتم جلب الأكسيجين من الجزائر عبر الحدود البرية وتشحن الخزانات التي تحملها شاحنات الشركة ويتطلب ذلك ساعات طويلة مرة كل يومين.
وتسجل تونس منذ مطلع نيسان/أبريل ارتفاعا في عدد الإصابات بالفيروس في البلد الذي يعد نحو 12 مليون نسمة، مع عشرات الوفيات وأكثر من ألف إصابة يوميا. وسجلت في تونس إجمالا 11,208 وفيات بالوباء وحوالى 320 ألف إصابة. - بطء في التطعيم –
يعالج راهنا أكثر من 500 شخص داخل أقسام العناية المركزة وهذا رقم غير مسبوق منذ بداية الجائحة في آذار/مارس 2020، أمّا أسرة الأكسيجين فهي مستغلة بنسبة 80 في المئة.
لكن عمليات تزويد المراكز الاستشفائية بالأكسيجين محفوفة بالمخاطر، ويقول بن الرايس “لسنا في منأى من أن تتعطل آلة تصنيع الأكسيجين أو تتأخر خافرة في البحر بسبب سوء الأحوال الجوية لنجد أنفسنا في وضع نقص تزود”.
وفي مؤشر الى تفاقم الأزمة، اضطر مستشفى محلي بمحافظة صفاقس (وسط-شرق) نهاية أبريل/نيسان الفائت الى نقل مرضى الى مصحات أخرى احتياطيا بعدما تراجعت الكميات في خزاناته الرئيسية الى حد كبير.
كما لا تستبعد تونس وصول موجات أشد للبلاد خصوصا مع انتشار المتحور البريطاني وتبدو المخاوف جدية بالنظر الى تباطؤ وتيرة حملة التطعيم ضد الفيروس التي انطلقت نهاية آذار/مارس الفائت، اذ لم يتم تلقيح سوى حوالى 333 ألف شخص بسبب مشاكل في التزود باللقاح واخلالات في عمليات التسجيل.
ويتابع المسعدي “ان لم نتمكن من تأمين الأكسيجين اللازم للمرضى مستقبلا فهذا سيكون مأساة، يجب الا نصل الى هذا المستوى”. - نشر في صحيفة القدس العربي