مصارعة الأكباش في تونس.. حكاية عشق

صورة © وكالة الأناضول/ أمين الأندلسي

مع اقتراب عيد الأضحى تكتسح مصارعة الأكباش الساحات والملاعب المتاخمة لأزقة تونس كإحدى المسابقات الرياضية المميزة التي تمنح هذا العيد نكهته الخاصة.

ومصارعة الكباش هواية قد لا تعني شيئًا للبعض لكنها عند آخرين عشق وصبر ومكابدة وممارسة لها طقوسها ونواميسها الخاصة، تبدأ باختيار الكبش وفقا لخصال وميزات معينة، وتنتهي في حلبة المصارعة، فإن كان الكبش من الفائزين نال مالكه من الاحترام الشيء الكثير بين أصحابه وإن هزم وانثنى للخصم يعرف أن الطريق انتهى وصار مآله إما للبيع أو الذبح.

صورة © وكالة الأناضول/ أمين الأندلسي

سالم (57 سنة) له شهرة واسعة في منطقة “الحلفاوين” بالعاصمة التونسية، ولد هناك وترعرع وسط عائلة تربّي الأكباش للمصارعة أو كما يسميها التونسيون ”المسياب”.

 يقول لمراسل وكالة “الأناضول” للأنباء: “أولى الخطى هي أن تختار الخروف منذ أن يشتد عوده، أي عامه الأول، ويشترط طول القوام وكبر الرأس وطوله، وتبدأ شيئا فشيئا تتخاطب معه بلغة يتقنها بالممارسة، فعندما تناديه مثلا يطيعك، ثم تأتي مرحلة الإعداد البدني فتحرص على أن تحلق له الصوف شهريا، وتعوّده على نظام غذائي صحي خالٍ من المواد الدهنية، لأن الدهن يكثر له الشحم مما يعيق سرعته، كل هذا يكون داخل مكان يسمى المخزن”.

-حبل الوثاق-

“ويبقى الخروف مشدودًا إلى حبل الوثاق لمدة أربع سنوات حتى يتمرّس ويصبح كبشًا، ويبلغ السن التي تخول له خوض المنافسة، وبلغتنا نطلق على كل مرحلة عمرية للخروف اسم، مثل سدوسي (ثلاث سنوات) أو ربعي (عامين)”، يضيف سالم.

وعندما يتحدث سالم عن الأكباش التي امتلكها تصاحب حديثه تنهيدات عميقة، وهو يتذكر بطولات ”الأدغم” و”الهرش” وكيف كان يتباهى بهما وسط أبناء الحي، رافعا الرأس يمشي.

قبل موعد المصارعة أو ”النطيح” – بحسب سالم – يدخل صاحب الكبش في دوامة من الضغط النفسي، كل يوم وبعد حصص التدريب يقترب من الكبش ويهمس في أذنه، داعيًا إياه ألا يخذله وأن يسحق الخصم، أما الأشهر الثلاثة التي تسبق يوم المسابقة فيلقى فيها الكبش من الدلال في الأكل والمعاملة الشيء الكثير.

صورة © وكالة الأناضول/ أمين الأندلسي

يقول سالم: “هناك من المربين من يقدم لكبشه العلف باهظ الثمن (يتكلف إطعام الكبش شهريا نحو 200 دولار) وآخرون يهبونه الموز والرمان والفاكهة الفصلية الجيدة، ويصل بهم الأمر لأن يحرموا أنفسهم وربما الأبناء والعائلة منها ليقدموها للكبش حتى يستقوى على خصمه ويفوز في المنافسة”.

ومع انطلاق المصارعة، يُحك رأس الكبشين بعد أن يتفق المالكون على عدد النطحات التي لا تتجاوز المائة، وتتوالى الضربات ومع كل التحام تتعالى هتافات المشجعين وغالبيتهم من الأطفال والشباب الذين يصطفون في دائرة حول الحلبة، وقد انقسموا إلى فريقين يشجّع كل منهما أحد الكبشين المتصارعين.

– “أغلى ما عندي” –

بهزيمة أحد الكبشين تنتهي المصارعة، ويهجم الجمهور المشجع على الحلبة ليحمل فوق الأكتاف صاحب الكبش المنتصر، ويبقى الكبش المهزوم طريح الأرض لا يقدر على الحراك من قوة النطحات التي تلقاها، وينسحب صاحبه مطأطأ الرأس وكأنه فقد شخصًا عزيزًا عليه، ويبدأ في أخذ القرار إما ببيعه أو ذبحه أمام الجمهور. 

أما صاحب الكبش المنتصر- يتابع سالم في وصف المسابقة – فيصطحب الأصدقاء إلى المقهى، ويدفع من جيبه ثمن المشروبات والحلوى كنخب لانتصاره، ويتداول أبناء الحي تفاصيل المصارعة أسابيع حتى يتحول الكبش الفائز إلى بطل أحاديثهم.

ويختتم مربي الكباش حديثه بقوله: ”عشقي له يتجاوز حبي لزوجتي، أهبه أغلى ما عندي وإن خذلني يوما لن يطلع عليه صباح الغد حيًّا”.

نشر في موقع وكالة الأناضول التركية

اترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *